من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ سكون القلب من همّ الرزق
إن التوتر والقلق، والخوف من الغد، وضعف الإيمان، والضغط العصبي الذي يؤدي إلى أمراض مثل السكر والضغط، كل ذلك ينبع من أمر واحد: أننا لا نصدّق الله حق التصديق.
نقص فيتامين "صدق الله العظيم"
إنها قضية عظيمة، فالأمة بأسرها -إلا من رحم الله- تعاني من نقص في فيتامين (ص)، وهو فيتامين "صدق الله العظيم". نحن لا نصدّق كلام ربنا تصديقًا كاملاً.
عندما قال ربنا جل وعلا:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾
يروي الإمام الأصمعي أنه كان يسير في البادية فسمع أعرابيًا يقرأ هذه الآية، فذهب هذا الأعرابي الذي كان قاطعًا للطريق وأعلن توبته وقال: "خلاص، ضمنّاها. ما دام رزقي على الله"، ولزم البيت الحرام متوكلاً على الله، تاركًا كل ما كان عليه من ضلال، لأن رزقه على الله.
فلما رآه الأصمعي مرة أخرى وسأله إن كانت الآية قد أثرت فيه إلى هذا الحد، قال الأعرابي: "دعك مني، أمعك شيء آخر من كلام الرحمن؟ سمعني... لا شأن لك بي اهتديت أم لم أهتدِ، هات الذي بعده".
يقول الأصمعي: "فكأنما نسيت القرآن كله إلا هذه الآية والتي تليها"، فقلت له:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾
فشهق الرجل شهقة عظيمة وقال: "من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟"
وهنا وقفة عظيمة. أنا صدقتك يا رب قبل أن تحلف.
لماذا أقسم الله بذاته؟
إن الرزق هو قضية من خمس قضايا في كتاب الله أقسم الله فيها بذاته العلية ليصدّقه الناس. فمن الذي أغضب الله حتى يحتاج أن يقسم لنا؟ ألسنا مصدقين؟ إن الله يعلم أننا قوم متوترون من جهة الرزق، ولذلك أكده بالقسم.
فالرزق مضمون، ولا شك في ذلك.
علامات كمال الإيمان
الإيمان لا يكمل، والقلب لا يستوي في مقامات الإيمان، إلا حين يسكن القلب من أمرين:
همّ الرزق.
خوف الخلق.
هاتان هما القضيتان اللتان تدور حولهما كل أمراضنا النفسية وتوتراتنا وقلقنا، وهما السبب في أن الناس يكبرون قبل أوانهم. الخوف من أن يضرك فلان أو ينفعك علان، ونسينا أنه لا أحد يضر ولا ينفع، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله.
تعلق بالسماء.. يأتيك رزقك
لقد جعل الله رزقك في السماء، فلماذا تحفر في الأرض بحثًا عنه؟ لن تجد شيئًا. مفاتيح الرزق في السماء.
كن علويًا، كن سماويًا.
فالأرض لا تعطي شيئًا إلا إذا جاء مفتاحها من السماء.
تعلقوا بالسماء، تعلقوا برب السماء، وثقوا أن لكم ربًا لا يقبض عبدًا وله عنده رزق، وثقوا أن الله لا يخلق فمًا وينساه. سبحوا الله بهذا الذكر العظيم:
"يا من لا يحرم من عصاه من عطاه، ولا يخلق فاهًا وينساه".